• Works
  • Publications
  • News & Links
  • About
حقيبة بالكاد تُرى [A BARELY VISIBLE SUITCASE], 2015

حقيبة بالكاد تُرى [A BARELY VISIBLE SUITCASE], 2015

  • December, 2015
  • Books

نبذة
ليست الإقامة في أوروبا إقامةً في حروب الهويّات وفي قضايانا الكبرى بالضرورة. إنها فرصة احتكاك بالأمكنة وتعرف إلى شؤون صغرى وعيش مع بشر هامشيين يتلصّصون على العالم من حولهم، وقد يرحلون عنه من غير أن تُعرف أسرارهم. هكذا عاشت شذا شرف الدين سنواتها البرلينيّة وكتبتها. نبذة «فيليپ يحشّش أحياناً. في الحقيقة أحياناً كثيرة… عشرون «صاروخاً» في اليوم تقريباً. لم يتغيّر فيه شيء منذ تعرّفت إليه. هو راقص سابق يعمل من وقت لآخر كموديل لتلاميذ الرسم في إحدى كليّات الفنون، وما يجنيه بالكاد يكفي لشراء جرعة الحشيشة اليوميّة. يمضي فيليپ وقته بين نيتشه وكارل ماركس وفوكو الذي استهدى إليه مؤخّراً. وحين يضجر منهم جميعاً، أو حين يبدأ مفعول الحشيشة يسري في دماغه، يروح يشتمهم لأنهم فشلوا في تغيير المجتمع. فيليپ لا يعجبه العجب. يحبّ برلين لأنها تنسيه أنه لا يفعل شيئاً في الحياة، ومثله هنا كثيرون.

مقتطف
"هناك أشخاص، لكي يعيشوا ما يبدو لهم جديراً بأن يُعاش، يلعبون أدواراً ليست في الواقع لهم. هذا بالطبع شيء حزين إلاّ أنّه، بحسب نظرة أخرى، شيء جميل". 
راينر ڤيرنر فاسبيندر

إلى حازم
 
فهرست
برلين، زيارات متأخّرة
- عواصف شارع پيرليبيرغ
 - ضجيج كثير من أجل لا شيء
 - رميتُ السنة الفائتة، وهكذا كان
 - منامٌ يأكلُ يدَه
- عمّي بارِنبويم
 - “ثايثه” 
في غضون ذلك...
 - وعاء الخوف
- مئة درجة وشنطة سكاكين
- "فورتونا"
Intermezzo
 - المدعوّة ه. ل. تتعثّر مجدّداً (Un Conte de Fées)
- اعترافات ت.
ثلج الانتباه
 - كلّ هذا البياض...
ملحق
 - وكالة ماريّا للحَبَل بلا دنس
Marias Empfängnis-Agentur (النص الأصلي)

برلين، زيارات متأخّرة
الجمعة ١٧ أكتوبر
أستعيد شنطتي من فوق الشريط المتحرّك، ألتقطها بيديّ الاثنتين وأخرج. أصعد إلى التاكسي كما لو أنني في طريق العودة إلى منزلي بعد يوم عمل عادي. من شباك السيارة أبحث في الشوارع عن التغيّرات التي حصلت خلال غيابي. وفي حال كان السائق برلينياً، أسأله عن رأيه في قرار الحكومة بإزالة مطار تيغيل، ثمّ إن كان لديه فكرة عن أسعار العقارات حاليّاً، كما قد أشاركه تذمّره من أحوال الطقس في الآونة الأخيرة. في التاكسي أغادر بيروت نهائياً.

أنزل عند الرقم ٤٠ من شارع "مانتويفل" في كرويتسبرغ. أقف بجانب شنطتي أمام المبنى القديم حيث تسكن صديقتي لوتسيا وألقي نظرة إلى الطابق الثاني. المطبخ مضاء، أرى أخيلتهم تتحرّك. لا بد أن بِتينا هي التي حضّرت البيتزا وغيورغ هو من جلب النبيذ معه... ينزل فيليپ لمساعدتي في حمل الشنطة، وأمام باب الشقّة تقف لوتسيا. هنا لا يقبّل واحدنا الآخر بل نتعانق. غيورغ وبِتينا وصديقتها الجديدة سيمونِه كانوا في المطبخ. في برلين، المطبخ هو الصالون وغرفة الجلوس وغرفة الطعام.

 نجلس ونبدأ بأكل البيتزا التي حضّرتها بِتينا ونحتسي من النبيذ الذي جلبه غيورغ، وأستأنف معهم حديثهم عن الفارق النوعيّ بين المنتجات العضويّة والعاديّة، وكمّية الفيتامينات الموجودة في الأولى مقارنة بالتي نحصل عليها من الثانية، ثم عن آثار الميكرو ويڤ على الطعام وكيف أنها تقتل المواد الحيويّة فيه... أفتح علبة البقلاوة التي جلبتها معي فيتذكّر الجميع أنني كنت في "بلاد الغربة" لسنة كاملة فيسألونني عمّا إذا كنت ما أزال أنوي البقاء "هناك"، في الغربة. لا يدوم هذا الحديث طويلاً، فحماستهم لتذوّق البقلاوة أكبر مما للتحدّث في ما لا طائل له مما أكرّره كلّ سنة، وهو أنني لا أعرف. 
في برلين، ليس ما يستدعي العجلة، ففي اللحظة التي تطأ قدماك أحد مرافقها، تصاب بخدر ناعم وتحسب أنك وصلت إلى المحطّة الأخيرة الممكنة في هذا العالم. ستظنّ أنَّه لن يفوتك شيء بعد الآن وأنّ كلّ ما قد يحصل خارجها، سبق وحصل فيها. هي مدينة، لا ثابت فيها سوى إخمادها لطموح ساكنها وجعله يحسب أن ما من شيئ ينقصه.

نتكلّم، نأكل، ندخّن، نسمع الموسيقى، يعترف أحدنا بشيء حميم، نتابع الأكل، ينتقد أحدنا تصرّف آخر يجلس أمامه، وقد يعتذر الآخر ثمّ نكمل السهرة من دون أن يكون لهذا الانتقاد أي تبعات مزعجة. تلتقط بِتينا بقايا التبغ الذي علق على لسانها من السيجارة الملفوفة وتنفضها بإصبعها في المنفضة وتقول إنها تعبت من الحياة في المدينة وتودّ الانتقال إلى إحدى ضواحيها الهادئة حيث الإيجارات أرخص والسكان أقلّ. سأستطيع العمل بشكل منتظم أكثر في محيط هادئ، خصوصاً أنه عليّ إنجاز معرض كامل حتى بداية الربيع وأنا لم أرسم شيئاً منذ شهرين تقريباً. سيمونِه، صديقتها الجديدة، تقول إنها لا تعرف إن كانت تودّ الانتقال وإنها، بشكل عام، لا تعرف تماماً ماذا تريد ولا حتى إن كانت مِثلية فعلاً أم أن مِثليتها تقتصر على حبّها لبِتينا؛ تسند ذقنها على ساعدها النحيل وتتمتم هازّة كتفيها: "لم أستطع حتى الآن أخذ أيّ قرار في حياتي، لا في ما خصّ الجانب العاطفيّ منها ولا المهنيّ. كم أنني مملّة... ألا تظنون ذلك؟". "لا... لماذا تتكلّمين هكذا عن نفسك؟"، تردّ عليها بِتينا وهي تربّت على ظهرها بحنان. 

يرفع غيورغ حاجبيه ويفتح أصابع يديه ليحرّكها بـ"نبرة" دراماتيكيّة ويؤكّد لنا أن ما يهمّه في الحياة هو أن يكتب الشعر وأن تؤمّن له الدولة زجاجة النبيذ اليومية. "لا يهمّني أين أعيش، فأنا لا أستوحي من العالم الذي يحيطني في كلّ الأحوال، إنما من اللغة نفسها. المهم أن أكتب العالم بكلماتي". تردّ بتينا عليه بنبرة ساخرة: "كم أنت محظوظ لأنك لا تستمد أفكارك من محيطك! لكن كن صريحاً، ألا تطمح باعتراف محيطك بك وبأن تصبح مشهوراً!". "لا أبداً، يقول غيورغ، فهذه ليست مسألة ذات أهميّة بالنسبة لي. أنا أعوّل على عالم مستقبلي لا يشبه العالم الحالي، الذي سيفهم حتماً قراءتي للأشياء". 
لطالما ظنّ غيورغ، العاطل الدائم عن العمل، بأن ما يراه هو لا يراه أحد غيره. يحب الكلام ولحس شفتيه الممتلئتين ومصّهما أحياناً حين يتفوّه بكلماته، فيبدو كأنه يتذوّقها قبل أن "يشاركك فيها"، بحسب قوله. رأس أنف غيورغ مرفوع قليلاً وتبدو فتحتاه أشبه بعيون إضافية. تحتار حين يكلّمك بين أن تنظر إليهما أو إلى عينيه. وقد يوحي أنفه بغرور صاحبه؛ وهو، في الحقيقة، كذلك، لكن غرور غيورغ من النوع الذي لا يضرّ ولا... ينفع. 

في تلك الأثناء كان فيليپ قد انتهى من إعداد القهوة، ففتح شباك المطبخ ومدّ منه يده المدخنّة وبدأ يخبرنا عن الجارين الجديدين الانكليزيّين اللذين كان يراقبهما صباحاً من الشباك ذاته. يقصّ علينا فيليپ كيف وقفت الزوجة أمام زوجها، فيما ارتسمت تعابير متشنّجة ومثيرة للشفقة على وجهها، وقالت:
oh, sorry, look, I think I broke my finger… sorry, what shall we do? 
 نظر الزوج إلى الإصبع المكسور وغضّن عضلات وجهه وقال:
Oh my god! I have no idea!! 
كاد فيليپ أن يقع على الأرض لشدّة ما أضحكته هذه الحادثة، فيما هو يرويها. نحن جميعنا ضحكنا. وتابع كيف أنها رفعت يدها ذات الإصبع المكسور، والتقطت باليد الأخرى سيجارة، ووقفت حاملة الاثنتين في انتظار التاكسي ليقلّها إلى المستشفى، كما افترض فيليپ. زوجها، تابع نقل الأغراض من الكميون إلى الشقّة الجديدة وعلامات الحيرة لا تبرح وجهه. كاد فيليپ أن يقع مجدداً على الأرض من الضحك. فيليپ يحشّش أحياناً. في الح قيقة أحياناً كثيرة. يحشّش عشرين "صاروخاً" في اليوم تقريباً. لم يتغيّر فيه شيء منذ تعرّفت إليه. هو راقص سابق يعمل من وقت لآخر كموديل لتلاميذ الرسم في إحدى كليّات الفنون، وما يجنيه بالكاد يكفي لشراء جرعة الحشيشة اليوميّة. 
يمضي فيليپ وقته بين نيتشه وكارل ماركس وفوكو الذي استهدى إليه مؤخرّاً. وحين يضجر منهم جميعاً، أو حين يبدأ مفعول الحشيشة يسري في دماغه، يروح يشتم أولئك أيضاً لأنهم فشلوا في تغيير المجتمع. فيليپ لا يعجبه العجب. يحبّ برلين لأنها تنسيه أنه لا يفعل شيئا في الحياة، ومثله هنا كثيرون. 

يستفيق يوهان، ابن فيليپ ولوتسيا. يدخل المطبخ وهو يفرك عينيه المطبقتين… يوهان طفل رقيق ذو أنف دقيق كأنف عجوز، وأصابع مرهفة كأصابع الفراشة، لو كانت لها أصابع. عمره عشرون شهراً ويستيقظ باستمرار ليلاً لكنه على رغم ذلك يفيق كلّ يوم عند السابعة إلا عشر دقائق تماماً، بغضّ النظر عن الساعات التي نامها أو لم ينمْها خلال الليل. وحين يستفيق ليلاً، فإن لوتسيا مَن يعتني به، إذ يكون فيليپ، الذي يخلد للنوم عند الثانية أو الثالثة صباحاً، تعباً. فهو يمضي ساعات الليل منشغلاً بألعاب الكومبيوتر حيث يشنّ الحرب على البوليس.

يركض يوهان إلى لوتسيا فتجلسه في حضنها. ينظر إلى الجمع الذي بادر كلّ منّا بالسلام عليه. ينظر إلينا واحداً واحداً ثم يتوقف عندي ويشير عليّ باصبعه ويقول: "فاث إث داث؟ (was ist das؟-ما هذا؟). كاد فيليپ أن يقع على الأرض لشدّة ما أضحكته كلمات يوهان. في الواقع، جميعنا ضحكنا ما عداه… 

الثلاثاء ٢١ أكتوبر
في الصباح الباكر تلقّيت اتصالاً من أحد الأصدقاء قال لي فيه إن وضع هربرت تدهور منذ الليلة الفائتة ويستحسن أن آتي لزيارته اليوم بدل الغد. 

Press
  • L' Orient Le Jour - Tarek ABI SAMRA
  • الأخبار - عنايا جابر
  • الحياة - كاتيا الطويل
  • السفبر - نديم جرجورة
  • العرب - عمار المأمون
  • القبس - إنديرا مطر
  • المدن - روجيه عوطة
  • النهار - محمد أبي سمرا

Related Works

Jetzt bin ich also Deutsch: Unter dem Himmel von Berlin تحت سماء برلين: هكذا اصبحتُ ألمانية
Jetzt bin ich also Deutsch: Unter dem Himmel von Berlin تحت سماء برلين: هكذا اصبحتُ ألمانية
فلاش باك [FLASHBACK] , 2012
فلاش باك [FLASHBACK] , 2012
Beirut Für wilde Mädchen, 2021
Beirut Für wilde Mädchen, 2021
© 2023 All rights are reserved to Chaza Charafeddine | Designed & Developed by LeLaboDigital